”فرخندة” الأفغانية ضحية الجهل والأضرحة
الأكثر مشاهدة
في مشهد خيالي يقشعر له الأبدان، من يراه لا يصدق أنه مشهد واقعي بل مشهد سينمائي يحوى الكثير من المؤثرات والخدع البصرية، التي تشعل نار القلب، وتذهب العقل، استمر قرابة الـ25 دقيقة، لضرب وسحل فتاة في ريعان شبابها، من قبل ما يطلقون على أنفسهم (رجال)، تحدثوا باسم الله، ووضعوا الأحكام ونفذوها، فأطفئوا شمعة الحرية (فرخندة محمد نادر) باتهامها بحرق نسخة من المصحف، فمن أنتم كي تحمي الله وكتابه ؟، فأنتم حماة الجهل والشعوذة.
للحرية ثمن، وللحق ضريبة، والمطالبة بهما قد تؤدي إلى الهلاك، وهذا ما حدث مع (الفرخندة)، التي واجهت الجهل والتخلف بالجهر عنه محاولة القضاء عليه، ولكنه قضى عليها من واقعنا المادى، بل ظلت محفورة في قلوبنا، فتجادلت "فرخندة" مع بائع التعويذات والوهم بشأن ممارسة السحر مع النساء، في ضريح شاه-دو-شامشايرا، الذي لا يبعد كثيرا عن القصر الرئاسي والسوق الرئيسي في كابول.
ونتيجة ذلك كانت الفتاة ذات الثامنة والعشرين من عمرها، ضريبة لتجارة السحرة والمشعوذين، فضربت حتى الموت، وبدأ الهجوم عليها لمدة 25 دقيقة في مسجد يقع في حي كثيف السكان من العاصمة، وضُربت بالعصى حتى تهشمت عظامها، وسال الدم على وجهها حتى اختفت ملامحها، وفلظت الأنفاس الأخيرة، وكان الوجع جسمانى، ولكن وجع القهر فاقه، وحرق جثة فرخندة على ضفاف نهر (كابول) هى مشهد النهاية المأساوي.
القانون في خدمة المجرم، هذا هو شعار الشرطة والقانون في افغانستان، ونتيجة لما حدث لفرخندة، اتخذ رجال الشرطة موقف المتفرج، لا يحاولون فعل شيء فيتواجدون بساحة القتل حتى سحلها وحرقها تمامًا، ثم يبدأ دور رجال الشرطة في نقل الجثة.
وأتت نون النسوة لتكلل مشوار فرخندة بالفخر والثأر لها، ففي مشهد مهيب حملن النعش، وضربن بالتقاليد عرض الحائط،، وفي خرق كامل للعرف التي تجعل من تلك المراسم قاصرة على الرجال دون النساء، وبعد أيام نظم الآلاف احتجاجات في كابول ومدن أفغانية أخرى مطالبين بالعدالة، وحمل بعض المحتجين لافتات ملصق عليها صورة وجه فرخندة الملطخ بالدماء، في حين طلى آخرون وجوههم باللون الأحمر.
ولم يقتصر حق (فرخندة) على المؤازرة الأفغانية فقط، فنظمت تجمعات تضامنية في عدد من الدول من بينها الولايات المتحدة واستراليا وبريطانيا، وندد رجال الدين بالقتل، في حين حذر آخرون من عدم استخدام القضية في الهجوم على
الإسلام.
ودائما ما يأتي القانون متأخراً، وبعد ما ذهبت الفرخندة عن عالمنا ، بدأت التحقيقات التي استمرت 9 أيام، وشكلت لجنة خاصة بناء على أوامر من الرئيس الأفغاني (أشرف غني) نتائج تحقيقاتها، وكشفت اللجنة أن الاتهامات المنسوبة لفرخندة، وأنها أحرقت نسخة من القرآن لا أساس لها من الصحة وأنه لا يمكن أن ترتكب هذا الفعل نظرا لتعليمها الديني العالي ومعرفتها التفصيلية بالقرآن، وأصدر القاضِ الأفغاني حكما بالإعدام شنقا على أربعة رجال لمشاركتهم في قتل فرخندة.
الكاتب
سمر حسن
الأربعاء ٢٧ يوليو ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا